الكروشيه

 

 

الكروشيه والتريكو هو الحياكة أو لف الخيط بالإبر الصغيرة وهي إبرة خاصة لها شكل معقوف نسميها عادة بالصنارة. الخيوط المستخدمة متعددة، وتتنوع الخامات المستخدمة بها من القطن، إلى الصوف والحرير وغيرها. هذا بالطبع بخلاف الخامات الصناعية. وتستخدم هذه التقنية في صناعة المفارش والأغطية والملابس وإكسسوارات المنزل التي لا حصر لها.

الكروشيه

إن الكروشيه هو عملية تكوين نسيج من الغزل أو الخيط باستخدام إبرة تُسمى إبرة الكروشيه. واشتُقت كلمة كروشيه من الكلمة الفرنسية croc أوcroche- التي استُخدمت في الفترة التاريخية الانتقالية من 1340-1611 التي أصبحت فيها اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للمملكة الفرنسية بدلاً من اللغة اللاتينية- والتي تعني صنَّارة أو خُطاف أو كُلاَّب. وتتشابه طريقة شغل الكروشيه مع طريقة شَغل التريكو، فهي تتكون من سحب حلقات الغزل خلال حلقاتٍ أخرى.

ولكن يختلف الكروشيه عن التريكو في أنه لا يكون هناك إلا حلقة واحدة نشطة في كل مرة (والاستثناء الوحيد يكون في الكروشيه التونسي)، كما أنه يتم استخدام إبرة كروشيه بدلاً من إبرتي التريكو.

منشأ الكروشيه

يفترض البعض أن الكروشيه نشأ عن ممارسات تقليدية تمت مزاولتها في شبه الجزيرة العربية، أو جنوب أفريقيا، أو الصين، إلا أنه ليس هناك دليلاً دامغاً على أن هذه الحرفة تمت مزاولتها قبل اكتسابها لشعبيتها في أوروبا أثناء القرن التاسع عشر.

وتُشير أقدم المراجع المكتوبة عن الكروشيه إلى "حياكة الراعي" من "ذكريات سيدة نجدية" التي كتبتها إليزابيث جرانت عام 1824. وظهر أول باترون كروشيه تم نشره في المجلة الألمانية Pénélopé عام 1824. وهناك مؤشرات أخرى تُشير إلى أن الكروشيه كان حرفة حديثة في القرن التاسع عشر من ضمنها منشور "هدية الشتاء" الذي نُشر عام 1847، والذي قدم تعليماتٍ مفصلة عن طريقة تنفيذ غرز الكروشيه ضمن التعليمات التي احتوى عليها بالرغم من أنه افترض أن القراء يفهمون أساسيات حِرَف شغل الإبرة الأخرى. وتُشير الإشارات القديمة في "مجلة جودي: كتاب الليدي" أو مجلة "ـGodey's Lady's Book " في عامي 1846 و1847 إلى حرفة الكروشيه باستخدام الاسم القديم قبل تعديل طريقة هجائه في عام 1848. ويتكهن البعض أن الكروشيه كان في حقيقة الأمر مستخدماً في أوائل الحضارات، إلا أن إصبع السبابة كان يُستخدم محنياً بدلاً من الإبرة المستحدثة؛ لذا لم تُخلَف أدوات لتشهد على هذه الممارسة. ويُشير هؤلاء الكتاب إلى "بساطة" الأسلوب ويزعمون أنه "لابد أنه كان أسلوبا مستخدماً قديماً"

بدأ استخدام الكروشيه- في بداية القرن التاسع عشر في بريطانيا وأمريكا وفرنسا- كبديل أقل تكلفة لأشكال أخرى من الدانتيل. حيث كان سعر خيط القطن المُصَنَّع يتناقص، وحتى إذا كان دانتيل الكروشيه يستهلك خيطاً أكثر من دانتيل البكرة المنسوج، فإن دانتيل الكروشيه كان أسرع وأيسر في تعلمه. ويُعتَقَد أن بعض مُصنّعي الدانتيل كانوا يدفعون مبالغ زهيدة مما جعل عاملاتهم يلجأن إلى البغاء.

وخلال المجاعة الأيرلندية الكبرى (في الفترة من 1845 إلى1849)، قامت الراهبات الأورسيلينيات بتعليم الأطفال والنساء المحليات شغل الكروشيه. ولقد شُحنت مصنوعات الكروشيه إلى جميع أنحاء أوروبا وأمريكا واشتُريت لجمالها وأيضاً من أجل المساعدة الخيرية التي قدمتها للسكان الأيرلنديين. (هذه الفقرة تفتقر إلى التوثيق).

ولقد تنوعت الإبر فتراوحت بين الإبر البدائية المُنحنية ذات المقبض الفخاري- التي كان يستخدمها عمال الدانتيل الأيرلندي الفقراء- والإبر الفضية مكلفة الصنع، والإبر النحاسية، والإبر الفولاذية ، والإبر العاجية، والإبر العظمية المصنوعة جميعها بمجموعة متنوعة من المقابض، والتي أُحسن تصميم بعضها ليُظهر أن يدي السيدة أرقى من أن تشغل بالخيط. وبحلول أوائل الأربعينات، جرى نشر تعليمات لطريقة تنفيذ أعمال الكروشيه في إنجلترا، وقد تم ذلك بالتحديد بواسطة "إلينور رييغو دي لا برانكاردياريه" و"فرانسيس لامبرت". وقد دعت هذه الباترونات المبكرة لاستخدام خيط القطن والكتان لعمل الدانتيل، والغزل الصوفي لتصنيع الملابس، في كثير من الأحيان بتوليفاتٍ من الألوان الزاهية.

بداية تاريخ فن الكروشيه

أصبح فن الكروشيه صناعة منزلية مزدهرة في جميع أنحاء العالم، وخاصةً في أيرلندا وشمال فرنسا، من شأنها تدعيم المجتمعات التي تضررت فيها وسائل كسب الرزق بسبب الحروب، والتغيرات في زراعة الأراضي، واستغلال الأرض، والعجز في المحاصيل الزراعية. حيث كانت النسوة، وأحياناً حتى الأطفال، يمكثن في المنزل ويقومن بشغل قطع من الكروشيه مثل الملابس والبطانيات لكسب المال. وكانت القطع تامة الصنع تُشترى من قِبَل الطبقة المتوسطة الناشئة. إن تقديم الكروشيه كتقليد للرمز الدال على المكانة الراقية، وليس كحرفة فريدة في حد ذاتها، قد وصم هذا الفن بالوضاعة والابتذال.

فأولئك الذين كان باستطاعتهم شراء الدانتيل المصنوع بطرق أقدم وأغلى ثمناً كانوا يزدرون أعمال الكروشيه وينظرون إليها على أنها نسخ مقلدة زهيدة الثمن. إلا أن الملكة فيكتوريا قد خففت من حدة هذا الانطباع بشرائها العلني للدانتيل المصنوع بالكروشيه الأيرلندي بل وبتعلمها أيضاً كيفية تنفيذ قطع الكروشيه بنفسها. ولقد حظي الكروشيه الأيرلندي بالمزيد من الرواج بفضل "ملليه رييغو دي لا برانكاردياريه" في عام 1842 الذي نشر باترونات لدانتيل المكوك ودانتيل الإبرة وتعليمات استنساخهما بطريقة الكروشيه، بالإضافة إلى نشره للعديد من الكتب التي تتناول صنع ملابس الكروشيه باستخدام خيوط الصوف. ولقد اتسمت الباترونات التي توافرت في أوائل أربعينات القرن الثامن عشر بالتنوع والتعقيد.

التطبيق الحديث

لقد تغيرت موضات الكروشيه بنهاية العصر الفيكتوري في التسعينات من القرن الثامن عشر. حيث أصبحت دانتيلات الكروشية في عصر الملك إدوارد، الذي بلغ ذروته في الفترة ما بين عامي 1910 و1920، أكثر إتقاناً من حيث النسيج وأكثر تعقيداً من حيث التطريز.واختفت الألوان الفيكتورية الصارخة ودعت الكتب الحديثة لاستخدام الخيوط البيضاء أو ذات الألوان الشاحبة، باستثناء أكياس النقود المنقوشة والتي كانت تُشغل غالباً بالحرير ذو الألوان الزاهية وتطرز تطريزا مُتقناً بالخرز.

 وبعد الحرب العالمية الأولى، نُشر عدد قليل جداً من باترونات الكروشيه، وكان معظمها عبارة عن نسخ مُبسطة من باترونات أوائل القرن العشرين. وبعد الحرب العالمية الثانية، من أواخر الأربعينات حتى أوائل الستينات، حدث إحياء للاهتمام بالحرف المنزلية، خاصةً في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نُشرت العديد من تصميمات الكروشيه الخيالية الجديدة الخاصة بمناديل المنضدة وماسكات القدر الساخنة والمفروشات المنزلية الأخرى، بالإضافة إلى التجديدات التي أدخلت على المطبوعات السابقة. وقد تطلبت هذه الباترونات استخدام خيوط وغزول أغلظ من تلك التي استُخدمت في الباترونات الأقدم، كما أنها احتوت على ألوان رائعة ومتنوعة. ولقد ظلت هذه الصناعة في المقام الأول حرفة ربة المنزل حتى أواخر الستينات من القرن التاسع عشر وأوائل السبعينات منه، حين التقط الجيل الجديد فكرة الكروشيه وروج لفكرة قطع مربعات الجدة، وهى عبارة عن شكل متكرر يشغل في شكل دوائر ويدمج بين ألوان زاهية. وبالرغم من أن فن الكروشيه قد أفل نجم شعبيته، إلا أن أوائل القرن الحادي والعشرين شهدت انتعاش في الاهتمام بالحرف اليدوية والحرف القائمة على فكرة "اصنع منتجك بنفسك"، فضلاً عن تحقيق خطى كبيرة في مجال تحسين جودة وأصناف الغزل. ويوجد العديد والمزيد من الكتب الجديدة التي تحتوي على باترونات حديثة قيد الطباعة، كما أن معظم محلات الغزل تقدم دروس تعليم الكروشيه بالإضافة إلى دروس الحياكة التقليدية. ويُعد كلاً من كروشيه الشريحة، والكروشيه التونسي، وكروشيه عصا المكنسة، ودانتيل دبوس الشعر، وكروشيه الإبرة ثنائية الصنارة، والكروشية الأيرلندي أشكالاً متنوعة من الطريقة الأساسية لتنفيذ الكروشيه.

طريقة التنفيذ

يبدأ نسيج الكروشيه بعمل حلقة بعقدة منزلقة حول صنارة الإبرة، ثم سحب حلقة أخرى من خلال الحلقة الأولى، ثم تكرار هذه العملية لتنفيذ سلسلة بطول مناسب. وإمَّا أن تُقلب السلسلة وتُنفذ في شكل صفوف، وإمَّا أن يتم وصلها ببداية الصف بغرزة منزلقة وتُنفذ في شكل دوائر. ويمكن أيضاً تنفيذ الدوائر عن طريق شَغل العديد من الغرز داخل حلقة واحدة.

وتُنفذ الغرز بسحب حلقة أو أكثر خلال كل حلقة من حلقات السلسلة. وفي أي مرة من مرات تنفيذ الغرزة، ستتبقى حلقة واحدة فقط في صنارة الإبرة عند انتهاء الغرزة. ولكن في حالة الكروشيه التونسي، تُجذب كل حلقات الصف بأكمله بإبرة ذات صنارة طويلة قبل شغلهم كلاً على حده.

تتوافر إبر الكروشيه بالعديد من المقاسات. تتراوح مقاسات إبرة الكروشية المصنوعة من الصلب من3.5 إلى 0.4 مليمتراً من حيث حجم الإبرة، أو تتراوح بين 00 و16 بنظام القياس الأمريكي. وتستخدم هذه الإبر في تنفيذ أشغال الكروشيه الدقيقة.

 

الأدوات

وتتوافر إبر الكروشيه المصنوعة من الألمونيوم والبلاستيك بمقاسات تتراوح مبين2.5 إلى 19 مليمتراً من حيث حجم الإبرة، أو تتوافر بمقاسات من B إلى S بنظام القياس الأمريكي. وهناك أيضاً العديد من الإبر التي يقوم بصناعتها الحرفيين المهرة، معظمها ذات مقبض مصنوع من الخشب المطوع، وفي بعض الأحيان تكون مرصعة بالأحجار شبه الكريمة أو مزينة بالخرز.

وبالنسبة للإبر المستخدمة في الكروشيه التونسي، فهي عبارة عن إبر مستطالة ولها سدادة في نهاية عمودها، أمَّا إبر الكروشيه ثنائية الخُطاف فلها صنارة أو خطاف في كلا طرفي عمودها. ويوجد أيضاً أداة ثنائية الخطاف تُسمى كروهوك Cro-hook، أصبحت رائجة وشائعة الاستخدام.

رموز ومصطلحات الكروشيه الدولية

تحظى غرز الكروشيه الأساسية بأسماء مختلفة داخل العالم المتعامل مع مجال الكروشيه باللغة بالإنجليزية. وعادةً ما يُشار إلى الاختلافات برمزين: الرمز Us ليُشير إلى المصطلح المستخدم في الولايات المتحدة، والرمزUK ليُشير إلى المصطلح المستخدم في المملكة المتحدة.

أمثلة على هذه الاختلافات واختصاراتها المعتادة:

الرمز (DC) المستخدم في المملكة المتحدة بمعنى كروشيه مزدوج= الرمز (SC) المستخدم في الولايات المتحدة بمعنى كروشيه مُفرَد. • الرمز (TR) المستخدم في المملكة المتحدة بمعنى كروشيه ثلاثي = الرمز (DC) المستخدم في الولايات المتحدة بمعنى كروشيه مُزدوج. ولقد دخل نظام الرسم التوضيحي المُستَخدِم لنظام الترميز الدولي الموحد حيز الاستخدام؛ وذلك للمساعدة في إزالة اللبس الذي يتم مواجهته أثناء قراءة الباترونات.

ويوجد فرق اصطلاحي أخر يُعرف بالشد (وهو المصطلح المستخدم في المملكة المتحدة) والمقياس (وهو اللفظ المستخدم في الولايات المتحدة). فالأفراد المنفذون لأشغال الكروشيه يشغلون الغزل بعقد ضيقة أو مرتخية، وإذا لم يتم قياسها، فستؤدي هذه الاختلافات إلى تغيرات كبيرة في مقاسات وأحجام قطع الملابس الناتجة والتي تحتوي على نفس عدد الغرز. وللسيطرة على هذا التضارب، تضمنت تعليمات الكروشيه المطبوعة معياراً لعدد الغرز المستخدمة في القطعة أو عينه النسيج القياسية. حيث يبدأ الشخص المنفذ لأشغال الكروشيه بإنتاج قطعة نسيج اختيارية ثم يقوم بالتعويض عن أي اختلافات عن طريق التغيير إلى إبرة أصغر أو أكبر في المقاس. ويطلق قاطني أمريكا الشمالية على هذا مصطلح "المقياس"، للإشارة إلى النتيجة النهائية لهذه التعديلات: أما منفذي الكروشيه البريطانيون فيستخدمون مصطلح "الشد"، للإشارة إلى قبضة الحرفي على الغزل أثناء تنفيذ الغرز.

الفروق بين الكروشيه والتريكو

إن إحدى الفروق الأكثر وضوحاً بين الكروشيه والتريكو هي أن الكروشيه يستخدم إبرة واحدة بينما تستخدم معظم أشغال التريكو إبرتين. وذلك لأن في الكروشيه يكون لدى الحرفي غرزة واحدة فقط نشطة على الإبرة، بينما شاغل التريكو يحتفظ بصف كامل من الغرز نشط في نفس الوقت. لذا نادراً ما تتداخل الغرز المُسقطة، التي من شأنها أن تجعل النسيج ينحل، مع شغل الكروشيه. وهذا يُعزى سببه أيضاً إلى اختلاف، ربما يكون أقل وضوحاً، تركيبي بين التريكو والكروشيه. ففي التريكو تُدعم كل غرزة بغرزة مماثلة في الصف العلوي الذي يسبقها وهى نفسها تقوم بتدعيم الغرزة المماثلة لها في الصف السفلي الذي يليها. أمَّا في حالة الكروشيه، فكل غرزة تُدَعَّم وتُدَعِم فقط الغرز الموجودة على كلا جانبيها. فإذا فلتت غرزة في قطعة النسيج المنتهي، تظل الغرز التي تعلوها والغرز الأسفل منها سليمة. وبفضل العقد المركب لكل غرزة، فإن احتمال ارتخاء الغرز الموجودة على كلا الجانبين يكون غير وارد إلا إذا تعرضت لضغط شديد.

و بقدر ما ينجم هذا عن قوة و ثبات النسيج الناتج عن الكروشيه، إلا أنه يحرمه من مرونة النسيج الناتج عن التريكو. تلك المرونة المطلوبة في الأردية و الملابس. لذا، يكثر استعمال الكروشيه في الأغطية والمفارش، بينما يستعمل التريكو أكثر في حياكة الملابس.

إن الباترونات الدائرية والاسطوانية الشكل هي باترونات سهلة التنفيذ بإبرة كروشيه عادية، بينما تتطلب أشغال التريكو الاسطوانية مجموعة من الإبر المستديرة أو أربعة أو خمسة إبر خاصة مزدوجة الجوانب. ويمكن أن يخلق شكل الكروشيه الحر أشكالاً شيقة بعدة أبعاد؛ وذلك لأن الغرز الجديدة يمكن شغلها بمعزل عن الغرز السابقة في أي مكان تقريباً في قطعة الكروشيه.

ويمكن تنفيذ التريكو بالماكينات، بينما لا يمكن شغل غرز الكروشيه إلا باليد. وبالرغم من أن بعض أشكال الكروشيه يمكنها مضاهاة مظهر التريكو، إلا أن أشكال الكروشيه المتميزة مثل قطعة مربع الجدة لا يمكن محاكاتها بالطرق الأخرى.

إن الكروشيه أكثر ملائمةً من التريكو لوصل قطع النسيج وقد يستخدم الكروشيه في إنهاء حياكة قطع السترات الصوفية المصنوعة من التريكو. ويمكن استخدام الكروشيه لإضافة حواف أو تزينات سطحية لكلاً من أنسجة التريكو والكروشيه. ويستخدم نسيج الكروشيه غزل أكثر من نسيج التريكو بمقدار 1/3.

المراجع: الموسوعة الحرة ويكبيديا